الاثنين، 9 فبراير 2009

حكـام العـالم الجـدد (2)

جون بيلجر
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي


لقد ساندت الاوبزيرفر"محاولة "حكومة بلير في أفغانستان. إن هذا الكتاب مكمل لسلسلة الكتب السابقة: الأبطال والأصوات البعيدة والملفات المخيفة التي قارنت أفعال السياسيين في ديمقراطيات الغرب مع أفعال الطغاة المجرمين والفارق عظيم في السبب والتأثير عن المجزرة والنشر لدعاية غادرة تقول أن الجريمة ليست بجريمة إن كان مرتكبوها "نحن". فليست جريمة أن تقتل أكثر من نصف مليون فلاح بقنابل تلقي بسرية وبلا شرعية على كمبوديا مشعلة مجزرة اسيوية. وليست جريمة لبيل كلنتون وجورج بوش الابن وتوني بلير وأسلافه المحافظين الذين تسببوا في العراق بموت "اكثر مما سببته جميع أسلحة الدمار الشامل في التأريخ" طبقا لما أوردته نتائج دراسة أمريكية.
فحربهم الصليبية ضد شعب يتألف من22 مليون نسمة ومنذ اثني عشر عاما هو محور "فصل دفع الثمن". والحقائق لاجدال فيها رغم ندرة نشرها. إذ ذكر تقرير للامين العام للامم المتحدة صدر في تشرين الاول/اكتوبر عام 2001 ان عرقلة حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا شراء ما قيمته 4 مليارات دولار من التجهيزات الانسانية كان السبب الرئيسي للمعاناة الشديدة وحالات الوفاة في العراق. كما ذكر صندوق الامم المتحدة للطفولة (اليونسيف) إن كل شهر يشهد وفاة6000 طفل والسبب في معظمها هو الحصار. أي ضعفي العدد الكلي لضحايا برجي مركز التجارة، ودليل حي اخر يثبت اختلاف قيمة أنواع الحياة. فضحايا برجي التجارة بشر، اما أطفال العراق فليسوا بشرأً!! وفي الوقت الذي أكتب فيه هذه السطور، قد يتعرض العراق لهجوم الولايات المتحدة. لقد نجحت الاستخبارات الأمريكية عن طريق استخدام مقتطفات من الصحافة الأمريكية والبريطانية " قنواتاً " في خلق ما أعتادت وكالة الاستخبارات المركزية في الهند الصينية ان تدعوه "الوهم العظيم". وهذا الوهم هو تهديد "اسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها العراق". وليس هناك اثبات او دليل دامغ على صحة هذا التهديد الذي أنكره سكوت ريتر مفتش الامم المتحدة السابق في العراق. مع ذلك "فتهديد العراق يأخذ الاولوية في ستراتيجية "الحرب الشاملة" التي تبنتها ادارة بوش بعد احداث الحادي عشر من ايلول. فتعليمات وزير الدفاع دونالد رامسفيلد للبنتاغون "للتفكير فيما لا يمكن التفكير فيه" قد يدفع غير الأمريكيين على الأقل الى القلق من ان القوة العظمى الوحيدة في العالم قد دحرت على يد اصوليين، دلالات تعصبهم مجزرة بشرية هي مقياس للهاويين في حركة طالبان. وفي واشنطن يزداد تأثر "مجموعة النفط" برئاسة جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني(وكان جورج بوش الأب يشبه في ذلك حال تشيني وأخرون في حكومته، مستشارا في مجموعة كارليل التي اوصت بعائلة بن لادن) بمجلس سياسة الدفاع وهي هيئة شبه رسمية تعطي توصياتها الى رامسفيلد ووكيله بول وولفوفيتر. وتضطلع المجموعة المعروفة في واشنطن باسم "عصبة وولفوتز" بذات الوقت بالحق الاول برسم الحياة السياسية في أمريكا وهي مسؤولة كذلك عن حالة الالهام وراء "الحرب ضد الارهاب" وتحديدا مصطلح "الحرب الشاملة". وعرض احد "مفكري" المجموعة وهو ريتشارد بيرل، احد مخططي الحرب الباردة في ادارة ريغان،عرض هذا التوضيح قائلا "لا مراحل: هذه هي الحرب. فنحن نحارب اعداء متنوعين وهناك المزيد منهم في الخارج. وكل ما نتكلم عنه اولا هو البدء بأفغانستان فالعراق ثم نستطلع مجرى الامور. من الخطأ تماما التعامل بهذا الشكل... فاذا أطلقنا العنان لرؤيتنا للعالم ثم تقبلناها باجمعها، ولا نحاول جمع شتات المستقبل. لا يكفي مطاردة مرتكبي هجمات 11من ايلول/سبتمبر. فالارهاب يتطلب حربا لا نهاية لها. وعلى الاقل تم اكتشاف بديل "للرعب الاحمر" وهو ما يبرر الاستعداد للحرب وجنون الارتياب، وبناء أضخم الة عسكرية على الاطلاق واقصد به "برنامج الدفاع الصاروخي". ويقول قائد القوة الجوية الأمريكية ان "هذا سيضمن الهيمنة الكاملة" على العالم. وهذا يعني السيادة العسكرية المطلقة، التي يشبهها البنتاغون بهيمنة الاساطيل البحرية الأوربية على كل من النصف الشمالي والشرقي من الكرة الارضية في القرن التاسع عشر ولا تنتهي عند هذا الحد. فهذه الكلمات تم تطبيقها مسبقا في مجالات اخرى خاصة السيطرة على جميع مرافق الحياة الاقتصادية، والتركيب او "الشبكة الداخلية" للحكومات الاجنبية كما تصفها صحيفة النيويورك تايمز، وكذلك اعادة تعريف المعارضة كـ"هاجس الامن الدولي". لقد تم التعبير عن ذلك تعبيرا اكثر انفتاحا وقسوة من ذي قبل خصوصا على لسان مجموعة منتخبة من البلهاء المثقفين في الصحافة الامريكية. ففي مقالة في صحيفة واشنطن بوست بعنوان "الاحادية مفتاح نجاحنا"،وصف تشارلس كراوثمر "العالم في الخمسين عاما القادمة عالما بدون حماية ضد الهجوم النووي او الدمار البيئي للمواطنين من أي بلد عدا الولايات المتحدة، عالم لا تعني "الديمقراطية" فيه شيئا اذا تعارضت نتائجها مع "المصالح" الأمريكية عالم يتهم فيه الشخص بالارهاب اذا ما أراد التعبير عن معارضته لهذه "المصالح"، عالم يبرر المراقبة والاضطهاد وحتى الموت. وكما أشار الى ذلك درووا يتورث ان هذه المعتقدات لا تختلف عن معتقدات اسامة بن لادن "التي ينقلها بضع رجال بلا تفويض".هناك صدى لـ"رايخ الالف عام" وحول هذا، تطور في البداية في سياق امريكي من خلال التصريح الجرىء لهنري ليوس في عام 1941في مجلة تايم عن"قرن امريكي".ويوزع الاكاديميون والمشاهير مرة اخرى في الولايات المتحدة وجهة نظر القاريء"عن العالم، مثل كتاب "صراع الحضارات" لصاموئيل هانتنغتون وصدر مؤخرا كتاب "لماذا انتصر الغرب" لفكتور ديفزهانون ودعوته "لسياسة الاستعداد العسكري العدواني للمدنيين". ولا يدرك أي نص من هذه النصوص التي تؤكد على "التفوق الثقافي" ان الدوافع الامبريالية للقرن الأمريكي قد أستهانت بأعظم المنجزات الغربية، اقصد بهذا السياسات العلمانية وسياسات إعادة التوزيع، وسمحت للأضطراب بالتقدم من العنف الأمريكي، برفقة الأفكار المبطنة والنزعة الى الانتقام الديني، كل ذلك لملأ الثغرات. ويدعو هذا الكتاب الى اننا في أمس الحاجة الى ترياق لدعاية تنذر بخطر ليس أقل شأنا من خطر الحرب الباردة. نحن بحاجة ان نعي العواقب المهلكة لسياسة المعايير المزدوجة: وهو ان كل من "القانون الدولي" و"المجتمع الدولي" غالبا ليس سوى محتكرين للقوة العظمى ولا يعبران عن الأغلبية. وتستطيع الولايات المتحدة ان تحشد الحشود (المعروفة بـ الإئتلاف) لمهاجمة الدول، بينما هناك عدد لا يحصى من قرارات الجمعية العمومية للامم المتحدة الداعية لتطبيق العدالة في فلسطين لا تساوي حتى الورق التي تكتب عليه. نحن بحاجة كذلك للنظر في الاستخدام الشائع لكلمة "نحن" وتخصيص القوة العظمى لها. فاذا أردنا "نحن" أن نحارب الارهاب فعلينا "نحن" ان ندعو الولايات المتحدة الأمريكية ان تضع حدا لارهابها في الشرق الأوسط وكولمبيا وأماكن أخرى. في ذلك الحين فقط نستطيع "نحن" ان نجعل العالم أكثر أمانا. أما الفصل الاخير "المختارون" الذي يقارن الخيال الأولمبي مع واقع الحياة الطبيعية في بلدي، استراليا، فانه بكملة يستعير من كتابي "بلد سري" الذي صدر عام 1989 وفلمي "مرحبا بكم في استراليا" الذي عرض عام 1999. كنت ومازلت أكتب وأصور كفاح السكان الأصليين لما يزيد عن 30 عاما، وما زال يهزني ويصدمني التمييز العنصري المستمر والمستتر وراء البطاقات البريدية لاستراليا. والخرق العالمي للصمت يضرب مثلا كفاح السكان الأصليين. فالصحوة بين عدد من السكان الأصليين في كل من السياسة والقانون والآداب خصوصا، ما هي إلا إنجاز لبعض الناشطين الأكثر شجاعة وثباتا من أي مكان آخر. وهم رجال النهضة ونساءها الذين يواجهون إحدى أكثر المؤسسات السياسية تصلبا وخبثا. وأحيانا يصبهم القنوط بعد خروجهم من إجتماع آخر مع سياسيين لا يفعلون شيئا سوى الإيماء برؤوسهم، ويموتون حتف أنفهم حالهم حال العديد من أبناء شعبهم الفتي. وكان روب ريلي أحد القادة الشجعان من السكان الأصليين، قد مات بهذه الطريقة. أما صديقي القديم تشارلي بيركنز الشبيه بمارتن لوثر كنغ في أستراليا فقد تجاوز عقد الستين من عمره وهو إنجاز مذهل لشخص لا يتعدى معظم أقرانه الثلاثينات والأربعينات وكان تشارلي، هو من قاد "مسيرات الحرية" في الستينات بطريقة الأسترالي المماثلة لما حدث في أقصة منطقة الجنوب الأمريكي، إذ ربط نفسه بسلسلة عند بوابات برك السباحة التي تمنع دخول الأطفال السود. وأنشر في هذا الفصل آخر مقابلاتي الطويلة معه. ففي أولى زياراتي الى منطقة أليس سبرنغس في عام 1969 إقترحت علينا هيتي والدة تشارلي وكانت ملكة شعب أرنتي، ان تكسب الدخول الى "الأرض المخصصة" للسكان الأصليين، وهو معسكر إعتقال في منطقة كثيفة الأدغال وذلك من خلال قيادة السيارات بسرعة وإختراق البوابة، وهذا ما فعلناه. وأقدم هذا الكتاب تحية لأمثال تشارلي وهيتي التي تمثل أفعالهم عاراً على الصمت وتطيح بأسطورة اللامبالاة.
هؤلاء الذين يمثلون الحركات الشعبية التي تنتشر عالميا، وأختصر هنا. في الهند إتحاد النساء الموظفات ذاتيا والمؤلف من 300 ألف إمرأة شجاعة، في البرازيل حركة شعب بلا أرض: وفي المكسيك الزاباتستاسيون. إن إنتصارات هؤلاء الغير معترف بهم في الغرب هي ملاحم بحق. وفي كوتشاباما، ثالث مدينة في بوليفيا، يسحب الناس العاديون الماء من مجمع شركات، بعد أن ضغط البنك الدولي على حكومة بوليفيا من أجل خصخصة الشركة العامة لتوزيع الماء. فبعد رفض البنك إعطاء قرض للشركة العامة لتوزيع الماء، طالب بتقديم إحتكار لشركة أغواس ديل تيوناري وهي نوع من شركة الماء الدولية المحدودة ومقرها بريطانيا وتسيطر شركة بيكتل الهندسية الأمريكية العملاقة على نصف هذه الشركة. وحال منح الشركة إمتيازا لأربعين سنة رفعت سعر الماء. وواجه الناس في هذا البلد الذي يصل أدنى أجر فية إلى أقل من 100 دولار شهريا، زيادات في فواتير الماء تصل إلى 20 دولاراً شهريا. أي أكثر مما يدفعه مستهلكوا الماء في ضواحي واشنطن الثرية حيث يسكن عدد من إقتصادي البنك الدولي. وحتى جمع مياه الأمطار دون إذن يعد أمراً غير قانونيا في كوتشاباما. لذلك نظم هؤلاء الشباب والكبار الناشطون، وأولئك الذين وصفتهم مارسيلا لوبيزفيلي بأنهم إنشغلوا جدا في السابق في الكفاح من أجل المشاركة. وتكلمت مع مارسيلو روجاز الذي أصبح أحد القادة. وقال "لم أهتم بالسياسة قط وكان والدي سياسيا وإعتقدت أن السياسة ما هي إلا عقد صفقات. ولكن رؤية الناس تكافح من أجل مائها وحقوقها، جعلني أدرك تماما أن هناك مصلحة عامة ينبغي الدفاع عنها وتعرض للإعتقال والتعذيب على يد الشرطة شأنه في ذلك شأن العديد من الشباب الذين نصبوا الحواجز وحموا كبار السن عند هجوم السلطات عليهم. وسيطر هؤلاء الشجعان على المدينة وانتصروا. اما الحكومة فمزقت العقد واخلت الشركة مكاتبها. ان الانتصارات الملحمية من هذا النوع في جميع انحاء العالم ليست جزءا من جدول وسائل الاعلام.اذ تفيد التقارير ان الارجنتين تشهد اضطرابا وليس كفاحا ذي روابط بحياتنا الخاصة. كفاح الصحفي في تركيا من أجل صحافة حرة، وكفاح أعضاء نقابات العمال في كولومبيا ونقابات "النمر" الجديد في غرب اسيا وقلما يعرف الغرب عن كل هذا. ففي أندونيسيا أطلق صندوق النقد الدولي رصاصة الرحمة على السفاح سوهارتو، لكن هذا الشعب كان بالفعل شجاعا بشكل لا يصدق، ومن هذا الشعب تبرز ديتا ساري ودانييل اندرا كوسوما، الذين أهدي لهم هذا الكتاب، الذين كسروا حاجز الصمت الطويل وواجهوا الاسلحة والمركبات المدرعة المستوردة من أصدقاء الدكتاتور خاصة الحكومة البريطانية.
وفي جنوب افريقيا كان الشباب امثال اولئك في سويتوفي عام 1996هم من واجهوا(الهيبوس)، أي المركبات المدرعة البشعة التي بواسطتها قتلت وجرحت الشرطة الناس دون تمييز. وتبين لنا الصورة التأريخية التي التقطتها ستدي باول وينبرغ وهي امرأة وحيدة تتحدى اثنين من هذه الوحوش عند دخولها الى محلها في البلدة: ونرى يداها مرفوعتان وقبضتها مربوطتان باحكام. لقد لعب المفاوضون دوراً، لكن أمثال هذه المرأة هم من هدموا سياسة الفصل العنصري. القائمة لا تنتهي وهي مصدر للتفاؤل في هذه الاوقات الغريبة (السريالية) سياسيا. فخلافا للاساطير، فان الشعوب قلما تذعن. ففي استطلاع في ثلاثين بلدا قامت به غالوب أظهرت فيه أن الغالبية عارضت ضرب أفغانستان والعنف العسكري وسيلةً لتقديم الارهابيين للقضاء. وأوجه كلامي لكل دعاية "الاخبار" فان محاولات تحويل عملية القتل التي تقوم به الدولة الى مسرحية أخلاقية تبقى مسألة مشكوك فيها للناس على الأقل. هناك إستخبارات إنتقادية عامة يسعى الصخفيون ما بوسعهم لاحترامها. وهو أن الارهاب الحقيقي هو الفقر الذي يقتل حوالي 24000 شخصا يوميا والذي لا تجادل العامة فيه. وكتبت روبن ثيوركوف، المحاضرة في القانون الدولي في جامعة يال بعد أحداث 11 من أيلول/ سبتمبر ما نصه " تتشكل دوافع الإرهابي في الفقر والإضطهاد والإهمال. والقضاء على هذه الظروف والتصعيد الفعال لإحترام عالمي لحقوق الإنسان يجب أن تأخذ موقع الأولوية".
( لقد فقدت زوجها توم في برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك)

ليست هناك تعليقات: