جون بيلجر
ترجمة الباحث:أمير جبار الساعدي
لقد كانت رحلتي الى العراق فوق التخيل (سريالية). فقد قضيت ستة عشر ساعة من القلق على طريق بمثابة شريط من الحطام. إذ تندفع نحونا قطع الإطارات مثل طيور سوداء عملاقة هاربة من العواصف الترابية. وعلى جانب الطريق ترتمي جثتان لرجلين ببدليتهما وكأنهما يضطجعان في جنازتيهما، وذراعيهما ثابتتان على جنبيهما. وهناك سيارة أجرة مقلوبة رأساً على عقب. وكان الرجلان يمشيان في طريقيهما الى الحدود، مع كل ما خف حمله من الأمتعة التي تناثرت بين الشجيرات. ويظهر إن فرامل سيارة الاجرة تعطلت فصرعتهم. وجاء السكان المحليون من وسط الغبار ووقفوا الى جانب الجثث:كان هذا منظراً اعتيادياً لهم على هذا الطريق الذي يمثل المدخل والمخرج الوحيد للعراق. ولم يكن الطريق من عمان ـ الأردن الى بغداد يومياً بمثابة الشريان. ولكنه الآن يحمل معظم تجارة العراق المسموح بها والمرور الى العالم. وتتحرك ناقلات النفط في قافلة لا نهاية لها تسيطر على ممران منفردان ضيقان: إذ تندفع السيارات والحافلات المكتظة والشاحنات الصغيرة ذهاباً وإيابا في (قصة مروعة). وتقدم الأشلاء التي يتعذر اجتنابها حياً على جانبي الطريق لناقلات النفط المحترقة وحافلة محطمة كعلبة قصدير وسيارة مرسيدس رسمية تابعة للأمم المتحدة والى جنبها ركابها الموتى الذين كانوا فيما مضى ذوي امتيازات. من المؤكد ان تتعطل فرامل سيارات الأجرة المتداعية في كل مكان،لكن حالات الأفضلية مقابل النجاة نسبة منخفضة في هذا المكان الى حد كبير. وتنعدم ألان المواد الاحتياطية للموديلات القديمة. ويقود السائقين ليلاً ونهاراً مع فترة قصيرة للنوم. ونظراً للقيمة الشرائية المتدنية للدينار العراقي والتي عملياً لا تساوي شيئاً تقريباً،لذلك عليهم القيادة ذهاباً وإيابا من بغداد الى عمان ومن عمان الى بغداد أكثر ما يمكن من الرحلات وبأقصى سرعة ممكنة. وعندما يقتلون مع ركابهم او يصابون بعجز جسدي، يصبحون ايضاً ضحايا الحصار الاقتصادي البشع في العصر الحديث. وأحتجبت رؤية بغداد عنا بحجاب أبيض كثيف من التلوث. وأخذت الأذرع الناعمة طريقها نحو نافذة سيارتنا: صبي يعرض موزة ناضجة أكثر مما ينبغي،وفتاة تحمل ساق وردة.ق بل عام1990 لم يكن التسول معروفا ومثيرا للتهكم تقريبا.
أما اليوم فبغداد هي نسخة حضرية لقصة راشيل كارسون(الربيع الصامت). فهاجرت الطيور سبيلها بعد موت بساتين النيل بما عرف بأرض نخيل التمور. وبقع الألوان في محلات الفاكهة هي من النوع المجسم. ويكلف عنقود من الموز(دول) وكيس تفاح لبناني مبلغا يعادل الراتب الشهري لمعلم،الأجانب والأغنياء فحسب هم من يأكلون الفاكهة. لا يمكن أن ترى الأغنياء، وأصحاب السوق السوداء والأصدقاء(الحميمين) للنظام والذين يمن عليهم من المتضرعين سوى بالمناسبات يركبون اخر موديلات سيارة المارسيدس ذات الزجاج المظلل، وهي تشق طريقها من خلال الناس المتعبين.والذين قد أمروا أن يحنوا رؤوسهم، فالصفوة تحافظ على ذلك من خلال شبكة النوادي والمطاعم والعيادات المجهزة جيدا، وبحظرهم الذي يجعل من الادعاءات التافهة لكل من واشنطن ولندن بأن الحصار يؤذي النظام في العراق.
ترجمة الباحث:أمير جبار الساعدي
لقد كانت رحلتي الى العراق فوق التخيل (سريالية). فقد قضيت ستة عشر ساعة من القلق على طريق بمثابة شريط من الحطام. إذ تندفع نحونا قطع الإطارات مثل طيور سوداء عملاقة هاربة من العواصف الترابية. وعلى جانب الطريق ترتمي جثتان لرجلين ببدليتهما وكأنهما يضطجعان في جنازتيهما، وذراعيهما ثابتتان على جنبيهما. وهناك سيارة أجرة مقلوبة رأساً على عقب. وكان الرجلان يمشيان في طريقيهما الى الحدود، مع كل ما خف حمله من الأمتعة التي تناثرت بين الشجيرات. ويظهر إن فرامل سيارة الاجرة تعطلت فصرعتهم. وجاء السكان المحليون من وسط الغبار ووقفوا الى جانب الجثث:كان هذا منظراً اعتيادياً لهم على هذا الطريق الذي يمثل المدخل والمخرج الوحيد للعراق. ولم يكن الطريق من عمان ـ الأردن الى بغداد يومياً بمثابة الشريان. ولكنه الآن يحمل معظم تجارة العراق المسموح بها والمرور الى العالم. وتتحرك ناقلات النفط في قافلة لا نهاية لها تسيطر على ممران منفردان ضيقان: إذ تندفع السيارات والحافلات المكتظة والشاحنات الصغيرة ذهاباً وإيابا في (قصة مروعة). وتقدم الأشلاء التي يتعذر اجتنابها حياً على جانبي الطريق لناقلات النفط المحترقة وحافلة محطمة كعلبة قصدير وسيارة مرسيدس رسمية تابعة للأمم المتحدة والى جنبها ركابها الموتى الذين كانوا فيما مضى ذوي امتيازات. من المؤكد ان تتعطل فرامل سيارات الأجرة المتداعية في كل مكان،لكن حالات الأفضلية مقابل النجاة نسبة منخفضة في هذا المكان الى حد كبير. وتنعدم ألان المواد الاحتياطية للموديلات القديمة. ويقود السائقين ليلاً ونهاراً مع فترة قصيرة للنوم. ونظراً للقيمة الشرائية المتدنية للدينار العراقي والتي عملياً لا تساوي شيئاً تقريباً،لذلك عليهم القيادة ذهاباً وإيابا من بغداد الى عمان ومن عمان الى بغداد أكثر ما يمكن من الرحلات وبأقصى سرعة ممكنة. وعندما يقتلون مع ركابهم او يصابون بعجز جسدي، يصبحون ايضاً ضحايا الحصار الاقتصادي البشع في العصر الحديث. وأحتجبت رؤية بغداد عنا بحجاب أبيض كثيف من التلوث. وأخذت الأذرع الناعمة طريقها نحو نافذة سيارتنا: صبي يعرض موزة ناضجة أكثر مما ينبغي،وفتاة تحمل ساق وردة.ق بل عام1990 لم يكن التسول معروفا ومثيرا للتهكم تقريبا.
أما اليوم فبغداد هي نسخة حضرية لقصة راشيل كارسون(الربيع الصامت). فهاجرت الطيور سبيلها بعد موت بساتين النيل بما عرف بأرض نخيل التمور. وبقع الألوان في محلات الفاكهة هي من النوع المجسم. ويكلف عنقود من الموز(دول) وكيس تفاح لبناني مبلغا يعادل الراتب الشهري لمعلم،الأجانب والأغنياء فحسب هم من يأكلون الفاكهة. لا يمكن أن ترى الأغنياء، وأصحاب السوق السوداء والأصدقاء(الحميمين) للنظام والذين يمن عليهم من المتضرعين سوى بالمناسبات يركبون اخر موديلات سيارة المارسيدس ذات الزجاج المظلل، وهي تشق طريقها من خلال الناس المتعبين.والذين قد أمروا أن يحنوا رؤوسهم، فالصفوة تحافظ على ذلك من خلال شبكة النوادي والمطاعم والعيادات المجهزة جيدا، وبحظرهم الذي يجعل من الادعاءات التافهة لكل من واشنطن ولندن بأن الحصار يؤذي النظام في العراق.
في فندق الرشيد احد الفنادق التي يلقي الشعب العراقي عليها نظرة ليس أكثر. حيث الزجاج الأسود والشوارب الطويلة المصبغة وتكاثر الأشباح. تدخل الفندق عن طريق رمزاً للمزاج العراقي المظلم، عبر لوحة أرضية طويلة مصفوفة بالقرميد لجورج بوش الأب وهي تشبه الأصل، وكلمات تقول:"جورج بوش مجرم حرب. وسيبقى الوجه ملمعا للأبد. وقابلت المدير المساعد للفندق والذي يعمل فيه منذ الثمانينات وبحس ساخر تجاه المعايير الغربية المزدوجة: قال لي آه، صحفي من بريطانيا أتود أن ترى أين جلس مستر دوغلاس هيرد ومستر ديفيد ميلون(هكذا قالها) ومستر توني نيوتن وكل أعضاء حكومة تاتشر...كان هؤلاء السادة المحترمون أصدقائنا، المحسنون إلينا". وكان يحتفظ بمجموعة أعداد لصحيفة بغداد اوبزيرفر من "الأيام الخوالي الجيدة" حيث يظهر (صدام حسين) في الصفحة الأولى كما هو الحال دائما. والفرق الوحيد في كل صورة هو جلوسه على أريكته الرئاسية البيضاء مع وزير بريطاني مختلف قد يبتسم أو يجفل.إ ذ تواجد دوغلاس هيرد في عام1981والذي أصبح في ما بعد وزيرا للخارجية حيث أتى ليبيع(صدام حسين) منظومة صواريخ فضائية بريطانية وكذلك الاحتفال السنوي بذكرى وصول حزب البعث(المخلص) إلى السلطة الذي كان في جزء كبير منه انتصارا للمخابرات المركزية الأمريكية في عام 1968 والتي قضت على الأمل بالتعددية الحزبية(وقدمت صدام حسين). إذ تواجد(هيرد) مرتين على الأريكة وعلى الصفحة الثانية منحنيا أمام الطاغية المستجوب والمعذب المشهور لقصر النهاية. وهناك البدين ديفيد ميلور، وهو أيضا من رجال وزارة الخارجية، على نفس الأريكة البيضاء عام 1988. وفي الوقت الذي يتلقى فيه ميلور أو ميلون كما يدعوه المساعد، مراسيم الضيافة،أمر مضيفه بتسميم خمسة الآلاف كردي بالغاز في مدينة حلبجة،الخبر الذي حاولت الخارجية البريطانية التكتم عليه. وعاد توني نيوتن المستشار التجاري لمارغريت تاتشر بعد شهر من تسميم الأكراد وجلس على نفس الأريكة البيضاء يقدم(صدام حسين)340 مليون جنيه إسترليني من أموال دافعي الضرائب البريطانيين على شكل عوائد تصديرية. وها هو يعود مرة أخرى بعد ثلاث اشهر ليجلس على نفس الأريكة ويحتفل بكون العراق آنذاك ثالث أكبر سوق للمعدات والمكائن البريطانية،التي ينتج تجميعها مجموعة من الأسلحة. وكشف البحث اللاحق الذي أجراه(ريتشاد سكوت) أن هؤلاء المشاهير على صفحات صحيفة(بغداد اوبزيرفر)عرفوا بأنهم يتعاملون تعاملاً غير قانونيا مع(الطاغية).وأخيراً قال لي المدير المساعد "رجاءاً بلغ تحياتي لمستر ميلون". أقرأ بعناية، فعادة ما يقدم لنا التاريخ تفسيراً.فعلى بعد عدة أميال من فندق الرشيد هناك مقبرة يحيطها سياج حديدي خلفه صفوف من الصلبان الحجرية بالكاد ترى من خلال خيوط التراب والرمل المتراكم عليها. هذه هي المقبرة البريطانية، حيث يرقد الجنود الذين حاربوا الأتراك قبل نهاية الحرب العالمية الأولى. ويذكر شاهد القبر"هنا قد استردت أو دفنت"رفات الضباط والأشخاص البريطانيين الذين اسروا بعد سقوط مدينة الكوت في يد الأكراد وهلكوا في الأسر."هؤلاء من خرجوا من المحنة الكبرى". كان الجندي أف آر رينولدز(FR) من فرقة الجمال الإمبراطورية وهو في التاسعة عشر عندما قتل في11تشرين الأول/أكتوبر عام 1918.أما فريدريك ايفور هيزجد الملازم الثاني في مدفعية الميدان الملكية فكان في العشرين من عمره عندما أصيب إصابات مميتة في معركة(شط العظيم)في 30 نيسان عام1917. ولكونه النجل الأكبر للبارون(تشيليز فورد الثالث) حاكم الهند، فقد بني مدفن خاص له. وقد لفت أهتمامنا الحشائش والنباتات المتسلقة حوله.ولم يذكر "من شواهد القبور أنه مات في سبيل حماية أضخم مصدر للطاقة الإستراتجية. وأحد أكبر الجوائز المادية في تاريخ العالم هكذا وصفت وزارة الخارجية الأمريكية عام 1945 حقول النفط في الشرق الأوسط. وبعد اكتشاف النفط في نهاية القرن التاسع عشر،لم تضيع القوى الأوربية الوقت في يدها على"الجائزة الكبرى". إذ شهد عام1918انتصار بريطانيا على الأتراك العثمانيين وتقسيم إمبراطوريتهم. وأصبح العراق وجميع الأراضي العربية على شكل مستعمرات،رغم الوعود والعهود السابقة بالاستقلال بعد الحرب العالمية. إذ احتفظت فرنسا بسوريا ولبنان وشمالي العراق:أما بريطانيا فوضعت يدها على بغداد والبصرة في الجنوب وبقي الأكراد ذوي المعانات الطويلة في منطقة معزولة تحت الانتداب البريطاني، وعندما ثاروا، قال ونستون تشرشل مستشار المستعمرات البريطانية متأملا "لا أفهم سبب هذه الحساسية تجاه أستخدام الغاز السام ضد هذه القبائل غير المتحضرة". وبعد تتويج(دمية البريطانيين) فيصل ملكا على العراق بدأ البريطانيين بتدمير حركة الاستقلال من خلال سحق القوى بالمدفعية وقصف الأراضي الزراعية بالقنابل الفسفورية وقطع من معدن الزنك المصمم لتعويق المواشي. ولكون العراق يحتل أعلى المراتب في العالم كمصدر للنفط، فقد بقي مستعمرة بريطانية بكل معنى الكلمة ماعدا الاسم حتى غزو قناة السويس عام 1956. سقطت الملكية في العراق بعد سنتين على يد القومي عبد الكريم قاسم الذي سقط شخصيا ضحية صراع داخلي. أما النظام الجديد فسما نفسه "الاتحاد الاشتراكي العربي"،ومعيار التعددية يضمن الإدارة غير المركزية والاعتراف باللغة الكردية والهوية الوطنية. وعندما تعرضت شركة نفط العراق،وهي مجموعة الشركات التي استغلت نفط العراق لتهديد القوميين عام1963،خططت القوة الإمبريالية الجديدة، الولايات المتحدة، لما تسميه وكالة الاستخبارات المركزية "الانقلاب المفضل". إذ قال جيمس كرتشفيلد والذي أصبح فيما بعد مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية في الشرق الأوسط "لقد اعتبرناه نصيرا كبيرا". ويتفق معه في هذا الرأي علي صالح سعدي، الأمين العام لحزب البعث إذ يقول "لقد جئنا إلى السلطة بعد تدريب على يد وكالة الاستخبارات المركزية"،وهو الذي أثار بعد ذلك عهد الإرهاب الذي قدم (صدام حسين) للساحة، والذي أصبح الرجل الأول في الدولة عام1979 كان رجل أمريكا. فقد أخبرني (أبو ريش)-Aburish-كاتب سيرة حياة (صدام حسين) إن على (صدام) أن يقدم الشكر الجزيل لوكالة الاستخبارات المركزية على الكثير مما قدموه له". "إذ يمكنه شكرهم على جلب حزب البعث إلى السلطة وعلى مساعدته شخصياً بالدعم المالي أثنـاء حـربـه مع إيـران، وعـلى حـمايـته مـن الانقلابـات الداخـليـة إنها عـلاقـة مسـتمـرة مـنـذ بداية الستينات وحتى الان وهي علاقة حب وكراهية. إن بقاء تحمس أمريكا، أو بالأحرى العرفان للعراق إزاء حماية عملائها العرب من فيروس الثورة الإيرانية، لدرجة أنها أعطت(صدام حسين)كل شيء كان يطلبه حتى جاء اليوم الذي غزا فيه الكويت في آب عام1990. فحين زار جون كيلي مساعد وزير الخارجية الأمريكية بغداد في عام 1989. أخبر(صدام حسين) "أنتم قوة الاعتدال في المنطقة، وتريد الولايات المتحدة تعزيز علاقاتها مع العراق". "قوة الاعتدال"هذه كانت قد أدعت منذ وقت ليس بالطويل انتصارها في الحرب ضد إيران، كانت نتيجتها مليون ضحية بين قتيل وجريح. وعندما قدمت جماعات حقوق الإنسان أدلة تثبت بأن العراق استخدم غاز الخردل وغاز الأعصاب ضد الجنود الإيرانيين والمدنيين الأكراد،رفضت الخارجية الأمريكية إدانته. وفي الوقت الذي كان فيه (صدام حسين) يجهز قواته للهجوم على جاره في الجنوب كشف مسؤول في وزارة الطاقة الامريكية بأن هناك مفاعلات نووية متطورة في طريقه الى العراق. وعندما حذر الجهات العليا تم توجيهه لمهمة أخرى. ويقول عضو سابق عرفنا بشأن برنامجهم حول القنبلة".ولكن الرئيس العراقي كان حليفنا..وفي عام1992 كشف تحقيق الكونغرس ان جورج بوش الأب وكبار مستشاريه كانوا قد أمروا بالتعتيم من اجل إخفاء دعمهم السري (لصدام حسين) بشحنات الأسلحة غير القانونية التي كانت ترسل إليه عن طريق وسيط ثالث. فقد تم إرسال تقنية الصواريخ الى جنوب أفريقيا وتشيلي ومن ثم "البيع الى العراق، وفي نفس الوقت تم تعديل ومحو سجلات وزارة التجارة الأمريكية (عكست هذه الفضيحة البارزة عبر الأطلسي والتي كشف البيع غير القانوني لتكنولوجيا الأسلحة الى العراق ،وإدراج الأردن في شهادات المستخدم النهائي"). وحتى بعد أسابيع من الغزو العراقي للكويت كانت وكالة الاستخبارات المركزية تزود بغداد بكم هائل من المعلومات الأستخبارية. ويقول عضو الكونغرس هنري كونزاليس رئيس اللجنة المصرفية في مجلس الممثلين (وهي فرع من الهيئة التشريعية في أمريكا) إن بوش ومستشاريه مولوا وجهزوا وأعانوا (الوحش) الذي تهيئوا فيما بعد لذبحه ،وهم الآن يدفنون الأدلة"، وقد وثق تقرير لمجلس الشيوخ عام 1994 نقل مقومات الأسلحة البايولوجية إلى العراق: فقد طورت شركة في ماريلاند تكنولوجيا التسمم بتفويض من وزارة التجارة وبموافقة وزارة الخارجية. اما الجمرة الخبيثة فقد جهزته بها مختبرات بورتون داون في بريطانيا، وهي مؤسسة حكومية وذكر محقق في الكونغرس، إن المسألة برمتها نقود ومسألة جشع. الحكومة الأمريكية عرفت ذلك، والحكومة البريطانية عرفت فهل اهتموا بالأمر؟ الجواب كلا. فقد كانت مسألة تنافس مع الالمان. هذا هو عمل تجارة الأسلحة وخلال تحقيق سكوت المقابل في لندن حول فضيحة بيع الأسلحة للعراق ،تم استدعاء تيم لاكستون مدقق مدينة لندن للإطلاع على سجلات شركة استرا البريطانية للأسلحة التي استخدمتها حكومة تاتشر غطاءا ومنفذاً لتمرير الأسلحة الى العراق بشكل غير قانوني. وكان لاكستون واحدا من بعض ملاحظين تم استدعائهم خلال سير التحقيق. ويعتقد انه لو فتح تقرير السيد ريتشارد سكوت بشكل كامل، وإذا ما تم إخضاع كبار معاوني تاتشر والموظفين المدنيين على تقديم دليل تحت القسم، إضافة إلى عدد كبير من الشهود المهمين الذين لم يتم استدعائهم لكانت النتيجة تختلف تماما عن الحرج المؤقت الذي طال بعض الوزراء. وذكر "وواجه المئات تحقيق جنائي وبضمنهم شخصيات سياسية بارزة وموظفين مدنيين ذوي شأن رفيع من وزارة الخارجية ووزارة التجارة...إي ابرز عناوين الحكومة.
وينتصب وسط بغداد نصب يبهر العين: انه يجسد ويمجد ذكرى الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988،التي بدأها (صدام حسين) بتحريض من الأمريكان الذين أرادوه أن يسحق خصمهم الجديد في المنطقة (آية الله خميني). وهذا النصب يتكون من ساعدين عظيمين تم سبكهما في باسنفتوك، ويقال أنهما مصممتان طبقا لساعدي (صدام حسين)، ويمسكان سيفي الإنتصار المتقاطعين. لقد سمح للسيارات بالسير فوق قتلى الجنود الإيرانيين المطمورة في باحة الملعب. لا يسعني التفكير بمنظر في أي مكان في العالم أكثر تعبيرا عن جريمة حرب قربانية وتجارة صنع وبيع الأسلحة: حيث جهزت أمريكا وبريطانيا كلا الجانبين بالأسلحة.
ثم مكثنا في فندق فلسطين، البعيد عن فندق الرشيد. حيث رائحة النفط لا نهاية لها. وان بقيت فترة طويلة في الداخل فسوف تشعر بالغثيان. فنظرا لتأخير عقود المطهرات في نيويورك، فقد حل محله النفط، الأكثر وفرة من الماء. وفي الرواق هناك مكتب الخطوط الجوية العراقية الذي يفتح أبوابه كل يوم وفيه موظفة تجلس خلف المكتب عملها الإبتسام وقول صباح الخير للضيوف المارين. لا زبائن لديها لأنه لا وجود للخطوط الجوية العراقية فقد إنتهت مع بدء العقوبات. ويقف طياران في الخارج ينتظران إلى جانب سيارات الأجرة الفارغة، أما الآخرون فيمسحون المدخل أو يبيعون الملابس المستعملة. وفي غرفتي يتفتت الجص كل ليلة، أما الماء فلونه بني والمنشفة الوحيدة المتهرئة فتحملها الخادمة وكأنها شيء متوارث. وعندما طلبت قهوة إلى غرفتي، ظل النادل في الخارج إلى أن إنتهيت: فالأكواب باهظة الثمن. وقال النادل بصراحة "أنا حزين دوما" ففي غضون شهر سيحصل على ما يكفيه للدفع إلى شخص يذهب إلى عمان لشراء أقراص الدواء لأخيه المصاب بالصرع. وتسيطر السوداوية على الناس. لقد شعرت بذلك في مزادات أماسي بغداد، حيث يبيع الناس حاجاتهم الأساسية من أجل شراء الغذاء والدواء. ومنها أجهزة التلفزيون فهي نماذج شائعة العرض للبيع. وهذه إمرأة مع طفليهما تشاهد عربتهم الصغيرة تباع مقابل حفنة دنانير. ورجل جمع الحمام منذ أن كان في الخامسة عشر من عمره يأتي ليبيع آخر طيوره، ويتبعها القفص. وذهبت مع طاقم الفلم للصلاة، وتلقينا الترحيب، أو أن الناس لم يكن لهم يد سوى الإذعان لحضورنا كما يفعل المكروب. وخلال الأسابيع الثلاثة التي قضيتها في العراق، لم أشهد أحد ينفس كربه ضدنا سوى مرة واحدة. فقد صرخ رجل علي في الشارع قائلا" لماذا تقتلون الأطفال؟ لماذا تقصفوننا؟ ماالذي فعلناه لكم؟ وركض أحد المارة إليه بسرعة ليهدئه: ووضع أحدهم ذراعا حنونة على كتفه، وبرز آخر فجأة، وهو مدرس إلى جنبي. وقال يطمئنني"نحن لا نربط الشعب البريطاني بأفعال حكومته" ان أولئك المسلمين في بريطانيا الذي سيطر عليهم الرعب وتركوا بيوتهم بعد قصف أفغانستان، لا يملكون سوى النزر اليسير من الأمان الشخصي الذي شعرت به في العراق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق